القائمة الرئيسية

الصفحات

أخر الاخبار

مقال ساخر في قصة - من الملام؟ أنت أم الناس!!



مقال صوتي، من المُلام.. للكاتب حسن اسماعيل مصطفى




قصة ساخرة - صراع الأجيال

قصة ساخرة, خاطرة ساخرة,  مدونة السلم, الكاتب حسن مصطفى
مقال في قصة ساخطة وساخرة


كان سمير ابن عشرة أعوام عندما أخبره أحد جيرانه المختليّن:

إن صوتك العذب.. قبيحٌ جداً .. لماذا لا تصبح رسّام؟

ذهل الغلام:

صوتي عذب.. يا ليل يا عييين

سمير لم يعرف أن المُختل كان يحتالُ عليه، كي يرسله في مهمة خطيرة:

- أأأ .. لماذا لا تذهب وتشتري لي علبة سجائر قذرة!! من عند البقال اللعين..

- بتأمر عالراس وعالعين..

ردّ سمير وهو يطير إلى البقال الذي يبيع السجائر للمختليّن..



لقد صدق الغلامُ نفسَه، وقرر أن يصبح في المستقبل مطرباً مشهوراً ..

وبدأ بالعمل فوراً على تحقيق هدفه. وصمم لنفسه برنامج مواهب ولجنة تحكيم وجمهور وباز ذهبي تحت الطلب.

طبعاً كان هذا في الخيال فقط..



أمّا في الواقع، فالأمر مستحيل. لأن الفتى الموهوب كان يحيا بعائلة معادية للإبداع.. متى ما أطل المبدع برأسه.. ناولوه بالحذاء:

عد لوكرك أيها القبيح

وبما أن المبدع في تلك الأيام.. كان يوصف بالسحلية.. خاف سمير من انفضاح امره عند والديه. فينتهي أمره بذات الحذاء.. حذاء الواقع المرير..

ولشدة خوفه وحرصه على هدفه ... كبر الفتى ولم يسعى لأجل تحقيق هذا الهدف..

.....

وبعد مرور عشرين عام

اكتشف الشاب أن والدته الراحلة..

كانت تخفي ريشة وألوان في الجدار المتهالك:

وماذا هناك أيضاً.. لوحة فنية رديئة!!

نعم لوحة فنية لطفلةٍ تحترق في النار

هناك الكثير من الفتيات المدفونات في الجدار!!

يال مصابه الأليم.. فوالدته لم تكن تعادي الإبداع والمبدعين.. بل كانت منهم.. وكانت وبالخفاء تلوذ لعقاقير الفن لتهدأ نفسها من سرطان الزوج الظالم.. ثم تدفن ابداعها في قلب الجدار:

نعم هو السبب.. أبي رجلٌ صلبٌ وقاسي

يكره الفن والحب والكلمات .. ولا يصوغ منها سوى الشتائمِ والإهانات




مسكينةً تلك الأنثى التي دفنت في الحياة مع سجان اسمه زوجها

مسكينةً كابنها الذي اقتحم الثلاثينات من عمره.. ولم يعد يعلم ماذا سينجز في حياته سوى هدمِ أحد الجدران ... لتوسيع أحد الغرف .. للاقترااان بإحدى الفتيات المعروضات للزواج.. ليُسكت الأفواه التي تبادره صباح مساء:

لماذا لم تتزوج حتى الآن.. عليك اللعنة .. تزوج أيها الغبي

وها هو ذا وبعد أن هدم الجدار وكشف أسرار والدته الراحلة..

زادت نقمته على والده الظالم الذي رحل أيضاً منذ أعوام..

......

لكن ما الذي يحدث مع سمير الأن.. فجدران المنزل كلها متهالكة

وأحدها على وشك السقوط:

ماهذا المنزل المصدوع لا شيء فيه غير أنين الذكريات!؟



وبينما كان يهدم الجدار المتهالك الثاني .. وجد بين ركامه دفتراً قديماً للمذكرات.. فاعتقد أنه لوالدته.. فمن تستطيع الرسم يمكنها كتابة مذكراتها.. لكن سمير اكتشف أن هذا المخطوط الأثري يعود لوالده..

لم يصدق الشاب أن والده الجاف.. هو من كتب هذه المذكرات الرقيقة..

ودفنها في الجدار ..

وقرأ منها:

مذكرات الأب:

لم تكن سعادٌ زوجتي فقط.. بل كانت نبض القلب والحياة.. كانت الماء والهواء..

أما انا فقد كنت أعلم أنها تتمتع بحب وشغفٍ ملحوظين..

لكنها وبكل أسفٍ كانت بارعةُ في إخفاء شغفها كبراعتها بإظهار قوتها..

لم أراها قط.. ضلعاً أعوجاً.. مع أني حاولت إظهارها كذلك.. بل على العكس..

كان تصميمها يزداد في تلك اللحظات الحالكة التي اعتدنا عليها معاً..

كنت أخاف منها..


كانت تغوص في أعماقي السحيقة..

وكانت قادرةٌ على كشف مقبرة أحلامي وطموحاتي ..

لكنني لم أكن أجرؤ على الإنصات لها.. لم استطع ذلك..

لم استطع الخروج عن الطريق.. وأين سأذهب؟

وماذا سيقول عني المجتمع والناس؟

ألا يكفي بأنهم يبادروني صباح مساء:


لماذا تزوجت وأنت غيرُ قادرٍ على تحمل أعباء الزواج

لماذا فعلتها.. وأنت لست أهلاً لها؟؟

ربما المجتمع على حق ..

وربما.. هي بغيري أحق..

لكن واحسرتااااه .. فما نفع الكلمات بعد الممات..


لقد رحلت من هنا إلى هناك

آااااه آااه كم أحبها وكم أشتاق لها ..

فلا أبقاني الله حياً من بعدها


....

وهنا لم يعد سمير قادراً على قراءة كلمات العذاب:

المجتمع هو مصدر الخوف الأكبر.. وليس الأفراد القاطنين فيه ..

لكن لنكن واقعيين يا ابني العزيز..

فلن تكون الحياة كالخمس دقائق الأخيرة من أفلام سوبرمان..


هكذا قال سمير الذي أصبح الآن أباً كهلاً.. قال لأبنه اليافع الذي يريد أن يصبح لاعب كرة قدم باعتباره موهوب كما أخبره أحد الجيران المختلين..

موهوب!! ماذا تعني كلمة موهوب!!

رفض الأب كل هذا الهراء وناول ابنه بالحذاء مستغرباً وقاحته وجهله..

إن الأهداف ليست للبوح بها في هذا المجتمع اللعين..

إنها كنوز علينا الاحتفاظ بها في الصدور..


ثم طلب من ابنه الكف عن هذا الهراء..

وأجبره على اقتحام معهد السكك الحديدية من أوسع أبوابه.

...

ثم دفن الرجل أحزانه وأوجاعه على مصير أبنائه وعلى مصيره

وعلى مصير كل من تعرض للظلم في هذا المجتمع القاسي..

دفنهم في قلب الجدار ومات..

تعليقات