القائمة الرئيسية

الصفحات

أخر الاخبار

الخلاص الروحي - كيف ألتقي بمعلمي ؟

الخلاص الروحي والمعلم- كلام في الحياة والموت
الخلاص الروحي, حاجة ملحة, وليس ترف ينأى الكثير منا عن مجرد التفكير فيه

السعي إلى الخلاص الروحي

بالماضي السحيق , قصد أحدهم , واحداً من حكماء الإغريق وطلب منه بكل لطف واحترام: 
"أعطني من حكمتك لو سمحت" 
فانفعل الحكيم وأمسك رأس الشاب وغطسه كاملاً بالماء وثبته بقوة ذراعيه. 
حاول الشاب أن ينقذ نفسه, راح يخبط بيديه ورجليه, كاد يختنق, وقبل أن يختنق أخرجه الحكيم وسأله: 
"ماذا كنت تريد منذ لحظة؟" 
رد الشاب وهو يلهث: "أردت فقط نفساً واحداً من الهواء". 
فرد الحكيم: "وعندما تصبح حاجتك للمعرفة, كحاجتك لهذا النفس الذي توقفت عنده كل حياتك. تعال إلى وخذ ما تريد". 
الحكيم, طرد الشاب. لأنه لم يكن جاداً في طلبه, 
كان سعيه نوعاً من الترف ليس إلا. في حين أنه يجب أن نكون جادين في سعينا

الرغبة الروحية

يجب أن تكون حاجة روحية للتعلم. حينها وإذا اردنا التعلم فعلاً, يمكننا ذلك في كل لحظة, فكل شيء حولنا, هو معلم لنا. 
كما حدث مع داتاتريا الذي كانت الطبيعة هي معلمه الأكبر, كان لديه 24 معلماً. العث كان معلمه, الفيل, النملة, السمكة, الغزال, الهواء, النار, التراب, الأرض, والسماء. وغيرها الكثير. 
لذا فإن السؤال الحقيقي هو "قبل أن نلتقي المعلم, هل نحن حقاً مستعدون للتعلم؟

عقبة النمو الروحي

المعلم الروحي الحقيقي, يعلم تماماً بأمر التلميذ الحقيقي، وكأنه يعرفه من قبل. كأنه يتتبعه بين ملايين الأرواح, في لعبة إلهية يشارك بها الوجود بأكمله. لكن الأمر بالنهاية, في يد التلميذ. ترى ما الذي يمنعه من الوصول إلى معلمه الحقيقي سواء كان شيخاً صالحاً, أو قسيساً أو "غورو" أو راهباً, أو حتى كائن ترددي من المرشدين الروحيين؟
إنها "الأنا", النفس الأمارة بالسوء التي تتحدث باسمنا عندما نردد ونحن مصدقين ما نقول: أنا كذا وكذا, أنا صالح أو طالح.

"الأنا" هي العائق الذي يمنع المعلم من الاقتراب منا. فلا متسع له في قلبنا. لذلك لا يملك سوى الانتظار، ينتظر بصمت إلى أن نفتح قلبنا وتتفتح زهرة وعينا. وبلحظة انبثاق عطرها. يكون من تنتظره, أمامك. 
قد تتفاجئ, بأنك تعرفه, لكنك لم تكن تعطيه حقه. كما كان يحدث مع التبريزي الذي يعره الجاهلون انتباه.

ما إن تصبح رغبتنا حقيقية, يصبح الغموض ممكن الحدوث. عطر يضوع في الأفق. والرسالة تصل إلى قلب معلم الروح. فقلب المعلم لا يفقه إلا لغة المحبة والعطف. المحبة المطلقة,  لأن كل ما يأتي منه هو من الحب والرحمة. وياله من أمر صعب وهذه المصطلحات باتت تبعث على الإقياء, عند من يحكمون الكوكب وعقول البشر. رغم أن جميعنا يعلم, أن أعظم شعور يداهم قلبنا, هو شعور الحب. 

تخبرنا "الأنا" أو "الإيجو" أو النفس الأمارة بالسوء, أن لقاء الأتقياء المقربين من الله, هو أمر مستحيل في هذا الزمان. وينجح في خداعنا لأن الكثير منا فقد المعنى الحقيقي المحبة والرحمة. لذلك ربما نحتاج, إلى صدمة روحية. صعقة توقظنا من نومنا, قبل أن يداهمنا موتنا ويرسلنا إلى المجهول. أحد كبار تلاميذ المعلم غوردجييف كتب عن ذلك كتاباً بعنوان "الرجل الذي أزعج نومي"


قصة الموت - حكمة هندوسية:

كان المعلم الروحي "باباجي" يعمل مع بعض طلابه  في مكان منعزل. فجأة ظهر أمامهم رجل وكأنه أتى من العدم. كان الرجل منجذب إلى شيء لا يعرفه. طلب من باباجي: "أجعلني من تلاميذك, أو سأنتحر".

بدا الرجل في غاية الجدية, لكن المعلم قال له: "اذهب من هنا, وانتحر".
وبلحظة خاطفة, وكأنه لم يكن, قفز الرجل من أعلى التلة, تهاوى إلى الأسفل. وأصبح جثة هامدة.

نظر المعلم باباجي إلى تلاميذه معجباً به: "إنه تلميذ حقيقي". 
ثم طلب من طلابه إحضار جثة الرجل إليه, وعندما أحضروها, أعاده المعلم الروحي إلى الحياة ثانية.

عرف تلاميذ المعلم لاحقاً, أنه وحسب الكارما المجمعة لهذا الرجل, توجب عليه أن يموت مرة واحدة فقط قبل أن يلج مرحلة "السادهانا الروحية". لقد أصبح هذا الرجل تلميذاً نجيباً, لمعلمه الروحي ما إن وجده. 

قصة خيالية بكل تأكيد لكن معناها كبير. إن الموت الذي حدث لهذا الرجل, هو موت العقبة الكبرى أمام نموه الروحي. موت "الأنا" المتعجرفة. موت العادات القديمة والطباع السيئة, الموت انتهاء هذا الإيجو الذي يتغذى على الماضي, وللجوء فقط إلى هذه اللحظة الحاضرة والسير معها كالسائر على حد السيف إلى أن يموت جسده بشكل فعلي, وليس رمزياً. هي مهمة المعلم الروحي أن يأخذك إلى الشاطئ الآخر, وأنت حي.

هل المعلم الروحي حقيقة؟

لماذا لا نصدق أن هناك أشخاص في هذه الحياة, يستطيعون رؤيتنا ونحن عالقين. رغبتهم الوحيدة, التي أيقظها الله فيهم, هي خلاصنا الروحي.

إذا رأيت قطة صغيرة عالقة في مكان ما, على وشك الموت, غالباً, ستساعدها. وربما هناك من يخاطر لأجلها. كذلك المعلم الروحي الحقيقي سواء كان , أو شيخاً تقياً, مسلماً صوفياً, أو غير صوفي. مسيحي أو غير مسيحي. غورو أو اياً كان. تراه مستعد للمخاطرة بكل شيء لأجلنا. وربما هي رغبتهم الوحيدة التي تدفعم للبقاء بيننا, هي الخلاص الروحي للبشر.

ألا نشعر أننا حقاً, بحاجة لوجود هكذا أشخاص في حياتنا وشعوبنا التي راحت تقتل بعضها بأبشع الطرق وأكثرها تطوراً وهمجية. ألا نشعر حقاً أن هؤلاء يجب أن يكونوا أكثر فاعلية؟ لمحاربة مشاعر البغضاء والكراهية. نعم الكل يشعر, لكن الكل, لا يقبل. والأقوى حتى الآن, يرفض. والأضعف يصدق الأقوى, ويهديه روحه كهدية مجانية. لذلك لا وقت الآن للقاء المعلم, لا وقت لديك لمن ينقذك منهم.

المعلم الروحي الحقيقي, حريص على مقابلة الطالب أكثر من حرص الطالب على لقائه. لكن المعلم لن يصبح فاعلاً, خصوصاً في هذا العالم المجنون. لكن فاعلية من يريد الخلاص, في أفول. ولن يعودوا للعمل بسهولة, فالأمر منوط بنا, وليس بهم.

هم بيننا دائماً, لكننا عاجزين عن رؤيتهم. ما زلنا ننظر بأعيننا فقط, ما زلنا نكتفي بالبحث عن الفرح, بأحلامنا فقط. فقدنا مخلصنا الروحي مع فقدان الأمل وكثرة شكوكنا وأخطائنا. لكن المخلص الروحي الحقيقي لا يتعب من أخطائنا . مع أنه يعاني منها ومن ضلالنا. يعاني, لكن من دون إحداث ضجة.. ومحبته لنا, ورغبته بخلاصنا , لا تتغير.


لا تبحث عن معلمك الروحي. 

وفر طاقتك. قد تذهب بعيداً ولا تستطيع العودة. يمكنك أن تتعلم الآن, من كل شيء, من الأرض ومن السماء ومن الأشجار والصحاري والبحار والقفار. ومن لا يستطع أن يتعلم مما يراه ومما يمر به, ليس جاداً في سعيه, ولن يستحق الخلاص الروحي ولا لقاء المعلم.

هناك صوت في داخلك, همس عميق من أعماق روحك, ألا تسمعه؟ ألا تلاحظ أحياناً أن تصوت التفكير في رأسك, يمنعك من الإصغاء لهذا الصوت؟ هو يهمس لك: لا تفعل هذا الأمر.. لكن عقلك يقول لك بصوت مرتفع وضجيج, بل افعل هذا فالأمور محسوبة تماماً. ثم يورطك صوت عقلك.. ولا يجد لك الحل.. وقد يتركك 
يمكنك أن تتعامل مع صوتك الداخلي على أنه صوت معلمك, فلا تقتل هذا الصوت, إنه قادم من أعماق روحك المتصلة بالله, مصدر الخلق. إنه همس الروح.  انتبه لروحك, وتجاهل رأسك, تجاهل صوت التفكير عندما يحدث أي تعارض في داخلك.

لعله من أهم الأسئلة لإنسان, الذي اكتشف أنه ما زال تلميذ في هذه الحياة, وعليه أن يجد معلمه.. إنه في كل مكان, وربما بقربك. لكن هل أنت فعلاً مستعد للتعلم, هل أنت مستعد للخلاص؟ يجب أن تكون مستعداً.
كن صادقاً وجاهزاً, سيأتيك بنفسه. إذا لم تكن ناضجاً فلن تعرفه. عليك أن تكون مستعداً, وعلى سعيك أن يكون مكثفاً. فالحياة مديدة... والموت وشيك. 






تعليقات