القائمة الرئيسية

الصفحات

أخر الاخبار

مقال ساخر - مذكرات رجل مكافح - مقال صوتي

مذكرات رجل مكافح - كفاحي


اسمعه وشاهده من هنا 



خاطرة ساخرة,خواطر السلم,مدونة السلم,قصة,الكاتب حسن مصطفى,
خاطرة ساخرة | خواطر السلم : قصة كفاح !
وُجِدتْ هذه القُصاصة, ملفوفة بخلعة خضراء, معلقة بعنق المرحوم.

عندما أحببت للمرة الأولى, كنت ما أزال طفل بريء بالأربعين من عمري.
كنت حينها أطارد الفراشات, لأصلبها بين صفحات دفتر الحساب. كنت أدوّخ قطتي المدللة من ذيلها, ثم أرسلها للجدار! لأرى إن كانت ستقع على قدميها أم لا!

وكنت أيضاً, فيما أذكر:

أقذف صديقتي بالأحجار, وأُدمي رأسها الذي تفوحُ منه رائحة الغار. ثم أُخفي عنها ذلك, كي لا تتمادى وتظن بأننا بتنا أصدقاء, فتكسر بذلك, حاجز الاحتقار بين الصبيان والبنات.

أمّا بالمنزل فقد كنت أكره الأخبار, فأعطس بكوب الشاي! كي لا يشربه أبي المغتاظ من الأسعار, فيحطم التلفاز, ويذهب مع أمي كي ينجبوا لي المزيد من الأعداء!

أشياء كثيرة نسيتها. هي من رسمتني على هيئة رجل, إذا سار تحت الشمس, صار له خيال! والحق يُقال: بأني قد كنت طفلاً ذو خيال واسع.

كنت حينها أظن أن الحب هو الأساس. لكنني, وبعد أن كبرت! 
أدركتُ بأن الحقد هو غالباً مُنجب الأطفال. 
ودليلي: جارنا وجارتنا, وأطفالهم العشرة, ومُستحاثةُ حبهم البائدة بعد ليلة الزفاف!

ذاك حالي وأنا طفل بالأربعين! 
لكن وبعد أن اقتحمت الثلاثين من عمري.
اختلفت الأمور
فقد كبرت ونضجت, واستويت تماماً. 
لدرجة أني نسيت سِعة الخيال, وحافظت على نعمة الكذب.

نعم! بالثلاثين أحببت العديد من الفتيات وبادلتهنَّ الوفاء بالوفاء. وهالة بتيماء.
أمّا جاري! فقد أحببته أكثر من حماري الذي رفس جدي, كي لا يتزوج جدتي! 
ومن فرط محبتي بالجار, أرسلته للجحيم وأسميته فقيد! 
وتزوجت زوجتهُ! فقط كي أخلعَ عنها ثوب السواد. 
وكي أُعلّم أبناءها, شيئاً عن قسوة الحياة.

لكن الفقيد زارني في المنام! 
وطلب مني, راجياً, أن أُعيد زوجته له! 
فطلقتها بالحال!

رميتها بالشارع المهجور خلف القصور التي وعدتها بها قبل الزواج, 
والحقيقة لا أعلم أين هما الآن؟ أكلاهما بذات المكان؟ 
أم يلتقيان بالصدفة, في أحد الثقوب السوداء!


كذلك فعلت -حينها- أشياء كثيرة أقل قيمة من هذا.

مثلاً, قطعت كل الأشجار, كي أحذر القوم من خطر التصحر.

محوت بعض الحروف من فوق النقاط.

رسمت أفعى وتحتها لطخةً عمياء, 
فأسموها فيما بعد علامة استفهام.

جربت أنواع الخمور كي أعلم أيّها سيكون أخطر! وسيشمع كبدي بالشمع الأحمر!

ثم سئمت الخمر 
واكتفيت ببيعه للأطفال الذين يسرقون من جيوب الآباء, كما تفعل أمهاتهم كل مساء. قبل أن ينبرين لأحضان الأزواج لتلبية نداء الشارع الذي لا يكف عن السؤال: هل من مزيد؟


آااه على تلك الذكريات الجميلة, قبل أن أكبر أكثر وأصبح عجوزاً ابن عشرة أعوام.

كان ذلك في تمام الساعة التاسعة من ذات مساء.
أحسست بالوحدة, لا ولد ولا تلد.
عندها سمعت الحب الصادق يطرق -أحد الأبواب-

ذهبت لأفتش عنه!
لكنَّ أبواب قلبي كثيرة ولم أعرف أياً منها يُطرق!

يال الهول !!

أخذتني صاعقة القرار, وفقدت حيلة الاختيار!
فقررت اللجوء للقضاء والأقدار.

قلت متحدياً: هذه المرة سأكون صادقاً مع نفسي, كعادتي!

نظرتُ إلى المداخل والمخارج والحارات الكثيرة, 
وقررت أن أختار أول فتاة تخرج من.. من!! من!! 
حسناً .. من الحارة الثالثة عن يمين شرياني الأبهر! وبدأ الانتظار !

وبالفعل فقد خرجت الكثير من الفتيات من كل الدخلات والحارات والأوتوسترادات!
إلّا من الحارة الثالثة!

عندها أدركت أن علي أن أتجمّل بالصبر على محن الحياة.
وبالحال رأيت: فتاة جميلة, تخرج لاهثةً من الحارة العريضة -007- قطاع - أ/ك -

سألتها بكل لطف : أأنتي يا سيدتي من طرقتي الباب!؟

فزمجرت ساخطة: " إليك عني فأنا لست قارعة أبواب!" 
أدارت ظهرها باكية, وركضت ودمع العين,  يسبقها. 
ولم تترك في طريقها, أبواباً إلا وقرعتها.


بقيت وحيداً وشعرت باستبدادي!! 
وصوت الحب الصادق لم يفارق شحمة أُذُني. حتى سئمت منه ! فقطعت أذني ورميتها في غرفة نوم الجيران! حينها أدركت بأني قد هرمت ودخلت بسن اليأس. 
فاحتفظت بهدوئي وبدأت أقتل كل من يكرهني!

ثم توقفت فجأة

ونظرتُ حولي حزيناً, لأني لم أجد أحداً أقتله.

لقد خفتت كل الأصواااااات! 
واستفاقت أصوات الماضي السحيق تغزو ذاكرتي, 
تذكرني بطفولتي ببراءتي. 
فبحثت عن دفاتر الإملاء والحساب, ولم أجدها.

بحثتُ أيضاً عن قطتي, فلم أجد إلا ذيلها الجميل الذي قطعته لها ذات مرة, كي أحولها لإنسان بلا ذيل!! وعندما لم تتحول لإنسان, قطعت رأسها حُزناً على إنسانيتها المفقودة. كطفولتي وشبابي اللذان أفتقدهما الآن.

فأنا الآن, أحبو صوب عامي الأول. 
أحبو على أربعة, فأنا طفل رضيع, لا أعرف من الكلام سوى ( الواع والويع).
مجردُ أيامٍ خَلتْ, وذكرياتٌ مضت. لن أستطيع أن أبوح بها لأحد. فلا أحد يفهمني!!

وحينما شعرت بالخطر, 
أدركت أنه يجب علي أن أبحث عن حب جديد مُحرك نفّاث! جهزت كل الصواريخ الممكنة, وتأهبت لاصطيادهِ حالَ رؤيتهِ!

وعندما لاح من بعيد, يسابق السحّاب.
أطلقت صاروخي واستنفذت كل قوتي! 
عدت لجاهليتي الأولى, ولـ قبل الميلاد, وأنا مرتاح! 
فقد أنجب هذا الصاروخ, الكثير من الأولاد الذين تكاثروا في كل البلاد. 
وها هم الآن يمضون أيام طفولتهم بصيد الفراشات! 
وصلبها بين جنبات دفاتر (الحساااااب)

خواطر السلم - مدونة السلم - الكاتب حسن مصطفى

تعليقات